منذ ان شببت على هذه الدنيا، بدأت تتكون لدي افكار عديدة، وتتبلور اراء مختلفة، حول الامور الحياتية المختلفة، على مختلف الاصعدة، سواء كان على الصعيد السياسي او الاجتماعي او الفني او الثقافي وغيرهم. وعند نشوء نقاش حول موضوع معين بحضوري، كنت ابدي رأيي وادافع وانتقد اذا لزم الامر. واكثر ما يكون يثير حنقي عبارات كانت تتردد على السن العديد من الناس حولي، الا وهي "نحن العرب ولا بحياتنا بنتقدم"، "العرب جرب"، "العرب مغرورين"، "العرب بعمرهم ما بتقدموا"، "روحوا تعلموا من الغرب"، وفي النهاية جميع هذه العبارات تصب في مجرى اجتماعي - سياسي واحد، يشي بأن كل ما هو سلبي موجود لدى العرب.
"انتم تغرقون في شبر ماء
سأعيد الشرح وعليكم ان تركزوا"
وانا كنت بكل جرأة، اوضح ان كل مجتمع له ايجابياته وسلبياته، وكل انسان فيه من السلبيات كما فيه من الايجابيات، ولا ينبغي التعميم دائما، بان العرب هم السلبيون والفاشلون وووو. هذه "ستيجما" خاطئة! وكنت لا اتردد بان ادعم كلامي بامثلة ونماذج من مجتمعنا، بأن هذا العربي يشغل منصب قاض رفيع، وذاك العربي طبيب كبير ومعروف، وطبيب عربي آخر مدير لمستشفى كذا، ورابع محاضر على اعلى المستويات.. وهم من خيرة ابناء المجتمع العربي.
لكنني، اصبحت - وللاسف الشديد -، اقولها بكل حسرة ومرارة واحيانا العن بعض الشخصيات العربية "المرموقة"، لشدة غرورها وكبريائها، وتهميشها للاخر، باعتقادهم انهم الافضل على الاطلاق!
هذا الامر، لمسته، من خلال مسيرة تعليمي الجامعي في بعض المحاضرين، على سبيل المثال لا للحصر، فمع بدء المحاضرة الاولى، بالفصل الثاني، دخل احد المحاضرين الى الصف، عاقد الحاجبين، عابس الوجه، متجهم، كأن جميع مصائب الدنيا حلت به، اغلق الباب خلفه، ووقف امام الطلاب، فاذا بباب قاعة المحاضرة يدق، قتحت طالبة الباب، واستاذنت المحاضر بكل لباقة بالدخول، فما كان منه الا ان نهرها، ووبخها بأسلوب الوعيد بأن لا تتاخر في المرة القادمة! وبعدها بدأ يقرأ قائمة الاسماء، لتأكيد الحضور والغياب، وبعد انتهائه، رفعت اصبعي واشرت له بانه لم يذكر اسمي، وعندها اشار اكثر من طالب الى ان اسماؤهم لم ترد في قائمته مع انهم حاضرون! فطلبنا منه ان يكتب اسماءنا، الا انه رفض، لان هذه ليست وظيفته واعتبرنا كأننا لسنا حاضرين!!
وعندما استهل المحاضر محاضرته وبدأ بالشرح، استوقفته احدى الطالبات بعد ان شرح لنا امر معين، وقالت انها لم تفهم ما قاله. فرد قائلا: "انتم تغرقون في شبر ماء، سأعيد الشرح وعليكم ان تركزوا"! فقاطعته قائلة: "عذرا، انا لا اغرق في شبر ماء، وارجو منك عدم التعميم"!! لذلك فانني ارى في بعض المحاضرين العرب.. افضل المضامين بأسوأ الطبعات!!
وفي مثال اخر مختصر، لاوضح مدى غرور وتعنت بعض العرب الذين يتبوأون مناصب عليا، دخل محاضر الى الصف، وبدأ في قراءة اسماء الطلاب، لتأكيد الحضور والغياب، وبعد انتهائه من ذلك، قال: قرد يحملكم كلكم!! ومعظم الطلاب ضحكوا، وكأنها نكتة تصرخ في اعماق المتألم، ليضحك من شدة ظرافتها. واستهل المحاضر حديثه عن متطلبات المساق (الدورة)، وكان بين الحين والاخر يردد "قرد يحملكم"، والله لا يردكم، ويضحك الطلاب ويضحك هو، كأن حديثه قمة في الظرافة!!
لذلك، نحن العرب، نشعر اننا في تقدم دائم الى الخلف، ونحن العرب نردد دائما اننا عرب وسنبقى عربا إما متكبرين في العلياء، أو نداس تحت الأقدام، دون ان ندرك ان التغيير يبدأ في داخل كل واحد منا، ان صوت الحق يجب ان يعلو مهما بلغ الثمن والتضحيات، وان ضريبة الغرور والكبرياء التي يعاني منها مريضو النفوس يجب ان تعود بالضرر على اصحابها لا غير! ويكفي طغيانا يا اصحاب المناصب الرفيعة، الذين تختبئون وراء اثمن وافضل الملابس، لكن نفوسكم تضعكم في الحضيض بنظر الاخرين.
ملاحظة: الصور للتوضيح فقط!