spacer
باستخدامك موقع موقع فرفش تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
spacer
spacer
farfesh Twitter Page
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
مسلسلات رمضان 2024
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer

الحكايات: رسالة الأمس موجهة إلى الغد عبر اليوم

راسلونا: news@farfeshplus.online

من القاعدة الجبارة لمحبة الحكاية الشعبية، أقبلت على قراءة الكتاب الجديد " لا وجود لخصومات صغيرة- حكايات من السافانا"، لمؤلفه الكاتب امادو همباطي با، الصادر قبل أيام عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في دولة الكويت، ضمن السلسلة الدورية، التي تصدر مرة كل شهرين" إبداعات عالمية"، علما أن هذا الكتاب من ترجمة محمد احمد بنعبود ومراجعة أ. ليلى عبد الحميد بدر.

الحكايات: رسالة الأمس موجهة إلى الغد عبر اليوم

مؤلف هذه الحكايات ومسجلها، امادو همباطي با، رجل بهرته الحكايات الشعبية، مثلما بهرتني، على ما يبدو، وهو ينحدر من عائلة ارستقراطية، من الفولانية وهي مجموعة من القبائل الرحل المتناثرة من السنغال حتى تشاد، ومن موريتانيا حتى الكاميرون، يبلغ تعدادها 12 مليون نسمة، وكثيرا ما صنفت على أنها سلالة خليط من الرحل البيض والسود، دخلوا الإسلام مبكرا ثم بدؤوا يهاجرون تدريجيا، ولد امادو عام 1900، وهو كاتب ومؤرخ وعالم سلالات وشاعر وراوي حكايات وواحد من المختصين البارزين في الثقافة الفولانية والتراث الإفريقي، وله العديد من الكتب منها" يسوع كما يراه رجل مسلم".

يضم كتاب "لا وجود لخصومات صغيرة" 18 حكاية شعبية، وكتبت مقدمته هيلين هيكمان- الوصية على الإرث الأدبي لصاحبها، تفتتح هيكمان الكتاب بمقدمة تلقي بها الضوء على صاحبه وعلى ما عنت له الحكاية الشعبية، وتورد في مقدمتها هذه، أن ما يضمه الكتاب من حكايات ينتمي إلى أصول متنوعة فبعضها قام هباطي با بتحديد هويته على أنه حكايات فولانية، أما تلك التي لا تحمل أي إشارة إلى أصلها فهي موجودة مع تنويعات لدى مختلف اثنيات مالي وغرب إفريقيا.

القصة التي حملت المجموعة عنوانها" لا وجود لخصومة صغيرة"، تحكي عن عدم المبالاة بأشياء صغيرة تتمثل في صوت مزعج ترسله عضاءتان تقتتلان، الأمر الذي يتسبب في ان يودى بحياة الديك والفرس والثور، وهي قصة تريد أن تقول لنا انه لا توجد هناك خصومات صغيرة ولا معنى لها، وإنما توجد هناك خصومات يمكنها أن تؤثر علينا بهذا الشكل أو ذاك، بل يمكن أن تؤدي إلى فقداننا لحياتنا، وهو ما يحصل في القصة.

أما حكاية" كايدار"، وهي الأخيرة في المجموعة، فإنها تبرز واحدة من أهم الحكايات التي ضمها الكتاب، ويبدو أن صاحبها تعامل معها على هذا الأساس، لا سما وأنها امتدت على مساحة هامة من عطائه في مجال كتابته للقصة الشعبية وإعادة صياغتها، وهو ما مكنه من الحصول على جائزة لقاءها، الحكاية تدور حول البحث عن الحقيقة، وتقدم ثلاثة أشخاص يقومون برحلة إلي بلاد الكايدارا، تحت الأرض، حيث يتبين أن المعرفة هي القيمة الإنسانية العليا، وأننا بالمعرفة يمكننا أن نصل إلى بر الأمان، أما المال، الذي يبرز في الحكاية على اعتبار انه خط مواز للمعرفة، فانه باق بعد رحيل جامعه، وربما تحول إلى نقمة إذا ما جعله صاحبه حدا فاصلا فيما بينه وبين المعرفة.

لن استعرض هنا كل ما تضمنه الكتاب من حكايات " مفيدة ومعلمة" كما يرد في مدخل قصة كايدار ذاتها، واكتفي حاليا بأن أتوقف عند قصة أخرى هي قصة "الأسد والمرأة العجوز"، وذلك في محاولة إلى لفت الأنظار إلى هذا الكتاب الهام الذي أحب لو قراه اكبر عدد من الناس.

الحكايات: رسالة الأمس موجهة إلى الغد عبر اليوم

قصة الأسد والعجوز، تتحدث عن امرأة عجوز تلتقي أسدا على شاطئ النهر وتنشأ بين الاثنين علاقة صداقة، كونها لم تخف منه وإنما نظرت إلى عينيه، دون أن تنزلهما، وتنمو هذه العلاقة بين الاثنين، وتتوطد مع مضي الأيام، ويشتاق الأسد ذات ليلة إلى معرفة ما تقوله عنه صديقته العجوز، فيذهب إلى شباكها هناك ليسمعها تتحدث عنه بالفعل قائلة انه صديق رائع ولا يعيبه إلا أمر واحد هو رائحة فمه الكريهة، الصديق الأسد يشعر بان جرحا قاتلا شق قلبه، فينصرف حزينا، ويذهب فيما بعد إلى حطاب في الغابة ليأخذ منه بلطته وإلا افترسه، ثم يذهب إلى صديقته العجوز على شاطئ النهر ويطلب منها أن تهوي بالبلطة على انتفاخ في جبينه، فترفض لأنها لا يمكن أن تلحق أي ضرر بصديقها، فيلح عليها وإلا افترسها، فلا يكون منها إلا أن تستجيب لطلبه، وتنزف الدماء من وجه صديقها الأسد، فيما هو يولي مبتعدا عنها، بعد أشهر يعود الأسد وقد شفي جرحه، فتفرح صديقته العجوز، وتنظر إلى جبهته قائلة انه لم يعد بها شيء، كأن شيئا لم يحدث، فيرد عليها صديقها الأسد قائلا: نعم أيتها العجوز. أترين كيف تندمل جروح الجسد، إنها تشفى دائما، لكن جروح القلب تظل تنزف أبدا.

في تفسيرها لدور الحكاية الشعبية، تنقل هيلين هيكمان، في تقديمها للكتاب، بعضا مما سبق وقاله صاحبه ذاته وهو: أن الحكاية وسيلة تساهم في تربية مختلف الفئات العمرية، وأنها تشكل، في إفريقيا خاصة، تربية (بيداغوغية) شفوية حقيقية، ففي غياب الكتاب نأخذ تعاليمنا من الحكايات والأمثال السائرة والتقاليد الشفوية، فالحكايات هي الكلام الحي يأتينا من الأجداد، ويسمى عندنا، عند الفولانيين، :"رسالة الأمس موجهة إلى الغد عبر اليوم"، بيد أن للحكاية في المجتمع الإفريقي، كما يرد في مقدمة الكتاب، دورا آخر، فنحن" عندما نريد مؤاخذة شخص على سلوك اقترفه، أو أن نجعله ينتبه إلى بعض من نقائصه، فإننا لا نقول له ذلك مباشرة، وإنما نفعل ما نريده بواسطة الحكاية أو المثل، فيتعرف الشخص المعني على ذاته بوضوح، دون أن يغضب البتة، لان اسمه لم يذكر صراحة، ومثل هذا الأسلوب ما زال ممارسا ومأخوذا به حتى الآن.

spacer
spacer
الاعلانات على مسؤولية اصحابها، ولا يتحمل موقع فرفش أي مسؤولية اتجاهها
spacer