جديد المخرج الدنماركي لارس فون ترير والذي أفتتح به مهرجان موسكو الدولي في دورته الأخيرة وتعرضه الصالات الاوربية حاليا؛ فيلم يختلف من حيث الشكل والمعالجه السينمائيه عن فلمه السابق "رقص في الظلام" والذي حاز به جائزه كان السينمائية كأفضل فيلم عام 2000.
الفيلم هو قراءة جديدة لأوبرا الموسيقار الالماني فاكنر المعقدة والطويلة جدا "الخاتم" والتي هي بالاساس أسطورة أسكندنافية تأثر بها الموسيقار الالماني. المخرج الاسكندنافي عاد الى أساطير شعبه ولكن من خلال موسيقار الماني!
الاسطورة التي تتحدث عن أبنة احد الالهة التي تهبط الى الارض (العالم السفلي) وهناك تتعرف على أحد البشر الفلاسفة لتقع في حبه الأمر الذي يثير غضب الاله والذي يقرر عقابها!
اما الفيلم فهو قصة لقرية في مكان ما في أمريكا معزولة جغرافيا وأنسانيا، حياة هذه القرية ستتغير للابد عند وصول غريس( تؤدي دورها نيكول كيدمان) اليها هاربة من ماضٍ غامض. مع وصول غريس نكتشف بصورة بطيئة الحياة الداخلية لسكان القرية والذين يصفهم شاب القرية ومفكرها في مقدمه الفيلم بالطيبة. كان على القريه أن تقرر منح الغريبة الامان والمأوى. وفي واحد من مشاهد الفلم الجميلة نشاهد مجلس القرية وهو يناقش تلك المسألة، بعد أن يسمح لغريس بالبقاء تبدأ هي بالعمل وخدمة جميع سكان القرية تقريبا الذين نكتشف مع غريس غرقهم في مشاكلهم الذاتية العميقة.
وجود غريس المفاجىء في القرية خلخله أتزانها الهش وأطلق النوازع البشرية الاولية في الامتلاك والانانية. فوجود امرأة جميلة ونقية يهيج مشاعر الناس العدائية ليبدؤا بتعذيبها وأستغلالها ولا تنفع علاقتها وحبها لفيلسوف القرية الشاب في أنقاذها من هذا المصير بل هو نفسه من يقود الناس الى الانتقام الاخير من غريس بالوشاية بها وتسليمها الى ماضيها الذي هربت منه.
قسّم المخرج الفلم الى فصول بأستخدامه وسيلة كانت تسخدم في بدايات السينما الصامتة حيث تظهر لوحة من حين الى آخر لتشرح للمشاهد ماالذي سوف يحصل في الفصل القادم وكيف ستسير الاحداث فيه. هذا التقسيم كان موفقا لأعطاء المتفرج فرصة لألتقاط الأنفاس والتهيء لفصل قاسٍِ آخر.
فيلم "فيلا الكلب" تحفة سينمائية ليس فقط بسبب أنه أكثر الافلام قوة وتأثيرا لسنوات ولكن أيضا لانه نجح في كسر مفاهيم سينمائية وجدد قطيعة السينما بالفنون الاخرى وخاصة المسرح. الفيلم هو واحد من أكثر الافلام تقشفا في الصورة السينمائية المعتادة وأيضا هو واحد من أكثر الافلام تجريدا. ليس هناك دكيور حقيقي بالفيلم فجدران القرية غير موجودة، عوضا عنها توجد أشارات بالارض تدل عليها. كذلك هناك أشارات في الارض لحقول القرية وممراتها حتى كلب القرية هناك رسم يشير اليه.
هذا التقشف والتجريد لم يؤثرا على الفلم الطويل (اكثر من ثلاث ساعات) بالمرة فالتوتر الذي نجح المخرج بالقبض عليه هو التوتر الداخلي لسكان القرية وصراعاتهم النفسية والتي فجرها حضورأمراة غريبة الى قريتهم. والفيلم مليء بالاشارات والرموز المسيحية والمثيولوجية والتي تعجز مشاهدة واحدة له من الاستدلال عليها.
رساله الفيلم غير واضحة بشكل كامل فهي بأحد شقيها نبذ للاديان والسلطة الفوقية التي تمارسها على الانسان كذلك هي شهادة مليئة بالاحباط من البشر ومنجزهم الانساني.
نيكول كيدمان النجمة التي كان الفيلم سيفقدالكثير من قوته بدونها تثبت مجددا أنها نجمة السينما الآن. ذلك الحضور الطاغي والآسر الذي يرتبط بحضورها كظاهرة سينمائيه جميلة، لاأظن أن كيدمان ستنجح في تمثيل الشخصيات المسطحة او ذات الابعاد القليلة. ربما لشخصيه كيدمان الأنسانة الاثر في ذلك. دورها في (مناروج) الفيلم الذي هو أقتباس آخر لقصة غادة الكاميليا لم يكن مقنعا بشكل كافي.
كان على كيدمان أن تخفي حقيقة أنها أبنة رجل المافيا القوي لتعيش في سلام في القرية حيث مضت لتؤدي دور الشهيدة بتفرد نادر، لكنها لم تكن أبدا شهيدة مسطحة. المشاهد يشعر بغموض ما لا ينتهي الا مع نهايه الفيلم الهائلة.
هناك مشاهد رائعة لكيدمان في الفيلم مثل مشاهد الاغتصاب المتعددة التي تعرضت لها من رجال القرية، في تلك المشاهد والتي صورت بأكثر من كاميرا ولقطات مقربة جدا لوجه كيدمان الذي يكاد ينفجر من الالم والشفقة على هولاء الناس.
كذلك المشهد الذي تسلتقي فيه كيدمان بحافلة لنقل التفاح منتظره هربها من القرية. من المشاهد المهمة أيضا مشهد كيدمان وهي تسحب في عنقها تلك العجلة الحديدية الضخمة والتي ربطها أهل القرية في عنق غريس لمنعها من الهرب حيث يعد من المشاهد المؤلمة جدا بمرجعياته المسيحية (غريب أن يذكرك مشهد سينمائي بألم السيد المسيح بهذا الوضوح).
المخرج وقد رفض الحديث عن رسالة معينة للفيلم هوجم مرة أخرى من بعض النقاد لتعرضه الى بعض الرموز واشاراته التي يراها البعض هجوما على الحياة الامريكية.
