spacer
باستخدامك موقع موقع فرفش تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
spacer
spacer
farfesh Twitter Page
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
مسلسلات رمضان 2024
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer

دريد لحام.. تشارلي شابلن العرب..

راسلونا: news@farfeshplus.online

دريد لحام.. ذاكرة الفن السوري الذي جسد الإحباطات المعيشية اليومية للمواطن العربي.. مهما تعددت الأسماء ومهما تبدلت الأدوار يبقى دريد لحام نجم الكوميديا العربية الأهم بلا شك.. هذه الشخصية التي تابعها الناس بكل تفاصيلها منذ عام 1960 دريد لحام هو قصة معبرة عن النجاح والتفوق ومشوار طويل مليء بالإبداع والتعب والمشقة.

ولد دريد لحام عام 1934 في دمشق من أب سوري وأم لبنانية وهو الابن التاسع لأسرة أنجبت عشرة أطفال.. واجه منذ طفولته الأولى الظروف المادية الصعبة والفقر المدقع الذي تعيش به عائلته حيث اضطرته ظروف الحياة الصعبة للعمل وهو طفل ففقد نكهة الطفولة التي يعيشها كل انسان، وفقد متعة اللعب البريء.

هذا الطالب الفقير كان أول من نال شهادة (المتوسط) من بين إخوته

عمل دريد في عدة مهن أثناء دراسته الابتدائية والثانوية فعمل حداداً وخياطاً ومكوجي وبائعاً جوالاً حيث أغنى ذلك تجربته في الحياة منذ الصغر وعلمته الظروف أن الكفاح هو أول خطوة في طريق النجاح. ويصف دريد تلك الغرفة التي كان يعيش فيها مع عائلته الكبيرة بأنها أكثر بقاع العالم كثافة سكانية حيث كان الذكور ينامون بحذاء أحد أضلاعها والإناث أمام الضلع المقابل، وكان سقفها في الشتاء مصفاة للأمطار التي تتلقاها أوعية وزعت في أرض الغرفة..

هذا الطالب الفقير كان أول من نال شهادة (المتوسط) من بين إخوته حيث كان الآخرون يعملون ويدرسون مع العمل. ولأن دريد كان ناجحاً فقد قررت أسرته التضحية من أجله فالكل يعمل ليتعلم دريد.. حصل على الثانوية العامة بتفوق فرشحته هذه للدراسة الجامعية مع راتب قدره 137 ليرة سورية ولشدة حب دريد لوالدته وإحساسه بمعاناتها فقد قام عندما تقاضى أول راتب له في الجامعة بإهداء أمه طباخاً له فتيل يعمل على زيت الكاز.

ويعتقد دريد بان تلك الفترة مع قلة ذات اليد بأنها كانت غنية بالحب والسعادة، ويستذكر دريد طفولته الفقيرة بسعادة حيث كانت أفواه إخوته العشرة تتحلق على الأرض حول مائدة القش المستديرة استعداداً لتناول الفطور عندما يتوفر على قلته.

كبر الفتى المكافح والتحق بجامعة دمشق وكانت ميزته الوحيدة حينها والتي يذكرها متندرا وضاحكا هو طوله البالغ 165سم والذي لا يزال كذلك. لقد كان هذا الطالب المتميز يرتدي الملابس القديمة والمستعملة.. لم يكن لديه شيء يعشقه إلا الفن الذي كان يرى فيه مستقبله الواعد حيث جاءته الفرصة الأولى على مسرح الجامعة حينما جسد دور فتاة استشهد والدها في فلسطين حينما لم يجد المسؤولون عن المسرح وقتها فتاة مناسبة تقبل بالدور وكان دريد الفتاة الوحيدة التي قبلت اختراق التقاليد قبل 51 عاماً.

مع كل هذه الظروف الصعبة والمعاناة الشاقة قرر دريد لحام إكمال دراسته الجامعية للكيمياء وتخرج من الجامعة عام 1958 ولكنه كان يعتقد بان الزمن يخفي له شيئا وان طرقا اخرى ستنشق له لتغير مجرى حياته. (وعلى نقيض ما يظن البعض فإن دريد لحام لم يتخرج من معهد للدراما بل كان كيميائياً وكان يحاضر في جامعة دمشق) وذات مرة جاءته الفرصة التي ينتظرها منذ زمن حيث قرر ترك الوظيفة للتفرغ للمجال الذي طالما أحبه وهو عالم الدراما.

غوار لم يكن لقمة سائغة بل كان أيضاً شخصية ساخرة ومتمردة..

في البداية لم تكن عائلته راضية عن هذا القرار وخاصة أنه سيترك وظيفة مرموقة محترمة تطعم خبزاً ليذهب نحو المجهول ومع الإصرار وافقت العائلة وامتطى دريد المجهول... وكانت البداية مع صديق دربه نهاد قلعي الذي جسد معه ثنائيا ناجحا لم يعرف الفن العربي مثيلا له الى يومنا هذا.. بالاضافة للمخرج المتألق خلدون المالح.

لا أحد يشك أن دريد لحام من عباقرة الفن العربي ومن منا لا يعرف شخصيته "غوار الطوشة" ذلك الاسم الذي اقتبسه دريد من أحد العاملين البسطاء في التلفزيون السوري فأعجب باسمه فاختاره وزاد عليه الطوشة ليكون اللقب المثالي لكل ما كان يقوم به غوار في أعماله من مقالب ومشاكل. والحق يقال: "فغوار كان أكثر من مجرد لقب يطلق على شخصية معينة لفترة وجيزة، بل كان غوار هو الشخص الذي يرمز إلى الشخص العربي العادي الذي كان يكافح من أجل لقمة عيشه ويتحدث عما يصادفه من مشاكل في حياته كلها"..

لكن غوار هذا لم يكن لقمة سائغة بل كان أيضاً شخصية ساخرة ومتمردة.. منذ البداية قرر أن يكون كوميدياً ناقداً وأن يستلهم مواضيع أعماله من النبض اليومي للحياة في الشارع العربي معبراً عن وجدان الإنسان العربي في أحلامه وآماله. كان مسلسل (صح النوم) باكورة أعماله التلفزيونية حيث عرفه الجمهور من خلاله فناناً كوميدياً أضحك الملايين من خلال مقالبه اليومية ثم واصل نجاحه التلفزيوني من خلال مسلسلية (حمام الهنا) (مقالب غوار) وغيرهما من الأعمال التي لا تزال تفرض نفسها وبقوة حتى يومنا هذا.. وفي عام 1963 وقع دريد لحام في غرام الطالبة هالة البيطار التي اختيرت من منتخب المدارس لتشارك في فرقة للرقص الشعبي السوري تحت إشراف وزارة الثقافة حيث كان هو يعمل في فرقة الوزارة. وقد حدث أن أحبت هالة مديرها في الفرقة (دريد لحام) وبعد قصة حب جميلة قرر الزواج بدون مراسم زفاف وبدون فستان زفاف للحبيبة هالة، وقد قررا قبل ذلك إقامة حفل زفاف إلا أن ظروفهما المادية لم تكن جيدة فقررا إلغاءها.

وعن شخصيته تقول هالة: "لقد وقع اختياري على الرجل المناسب، كان فقيراً ولكنه يمتلك ثقافة واسعة وكان فناناً بكل معنى الكلمة يحب الانضباط ويكره الكذب ومع كل الظروف التي مررنا بها كنا زوجين سعيدين وكان همي الأول أن أكون امرأة تحمل على عاتقها مهمة الحفاظ على بيتها وزوجها كنت أستقبله بالابتسامة وأودعه بها وكنت أنسج السجاد لكي نؤمن مصاريف الحياة اليومية".

كان يلبس أولاده من متاجر الملابس المستعملة لأن دخله الفني لم يكن يطعم خبزاً

ودريد لحام أب لثلاثة أبناء هم ثائر ـ عبير ـ ودينا وقد عانى مع زوجته الكثير لتربيتهم ولا يستحي دريد لحام من ذكر الحقيقة من أنه كان يلبس أولاده من متاجر الملابس المستعملة لأن دخله الفني لم يكن يطعم خبزاً.

وفي فترة الستينيات قرر دريد ان يجرب حظه في السينما حيث أصبح رصيده الفني حاليا قرابة الـ 30 فيلماً سينمائياً جمعته مع نجوم الوطن العربي من مصر ولبنان ومن أهم أعماله التي لا زالت راسخة في أذهان المشاهد العربي (عقد اللولو ـ الرجل المناسب ـ الثعلب) وقدم جملة من الأفلام الكوميدية الاجتماعية السوداوية المضمون وشق دريد طريقه بنفسه ليكتب ويخرج ويمثل وينتقد ما هو خطأ بالمجتمع العربي ويذكر المشاهد بمآسي الإنسان البسيط حيث كان غوار يجمع في سياق حديثه المصائب الشخصية للمواطن والمآسي التي يشعر بها في كل بقعة من أرجاء المعمورة.

كانت فترة اواخر الستينيات بداية لانطلاقة دريد المسرحية مسرحياته اللاذعة من على خشبة أبي الفنون وقامت مسرحياته بتعرية الأنظمة العربية بعد النكسة وطرحت قضايا المتضررين من الهزيمة وكانت البداية في مسرح الشوك التي بدأها الفنان عمر حجو وصقلها دريد لحام.. تجربة سورية خالصة في المسرح السياسي الانتقادي فمسرح الشوك عبارة عن مشاهد متفرقة ساخرة تتحدث عن الأخطاء التطبيقية في الحكم والتلاعب على القانون وزيف سلوك الطبقة البرجوازية، كما يوجه سهام انتقاده إلى مسؤولي السلطة والمخابرات، وبهذا شق هذا المسرح طريقه في وقت كان الصراع من أجل الحرية على أشده. وكان نجاح هذا المسرح الجماهيري والنقدي كبيراً كظاهرة مسرحية سورية فيها خفة دم وجرأة سياسية.

وبالتقاء دريد لحام مع الأديب الكبير محمد الماغوط وبمشاركة عدد من خيرة الممثلين السوريين تأسست في عام 1973 فرقة تشرين التي قدمت أول عروضها بعنوان "ضيعة تشرين" عام 1974 وبإخراج دريد لحام ثم في عام 1976 قدمت مسرحية (غربة) ومن ثم مسرحية (كاسك يا وطن) عام 1979 وتميزت العروض الثلاثة بكونها كوميدية ـ اجتماعية ـ انتقادية معاصرة وباللهجة العامية وعالجت موضوعات حساسة كالاغتراب والهجرة والاستغلال على خلفية سياسية ذات توجهات وطنية وقد لاقت هذه العروض إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير وشهرة واسعة على المستويين المحلي والعربي لم تلقه أي عروض أخرى في تاريخ الحركة المسرحية العربية.

الأديب الكبير محمد الماغوط

لكن بانفصال محمد الماغوط عن دريد لحام انتهى نشاط الفرقة بمسرحية (شقائق النعمان) وخلال فترة الثمانينيات حن دريد من جديد للسينما فقرر أن يترك المسح ليعود من جديد ليقدم أعمالاً سينمائية ذات طابع نقدي وكان فيلم (الحدود) من أهم ما طرح حيث جسد مشكلة الحدود بين أقطار العالم العربي ونال عليه جائزة جمعية نقاد السينما في مصر عام 1985وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان (فالنسيا) أما فيلمه (الكفرون) الذي وجهه للأطفال الفقراء متذكرا فيه طفولته البئيسة فقد نال جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة الدولي الأول لسينما الطفل وبعد عقود من العمل المسرحي والسينمائي عاد دريد لحام للعمل التلفزيوني وقرر دخول تجارب تلفزيونية جديدة فنال بطولات مسلسلات (الدغري) و (أحلام أبو الهنا) و(عودة غوار) الذي كان ختاماً نموذجياً للشخصية الفذة التي أصبح المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج وعلى الرغم من تضارب الآراء حول مسلسل أبو الهنا يصر دريد لحام على أن تلك الشخصية الاجتماعية الساذجة والبسيطة كان عملاً متميزاً مثَّل واقع الكثيرين في الواقع العربي.

عمل دريد لحام في مناصب كثيرة نتيجة خبرته المتراكمة فكان نقيبا للفنانين في سوريا كما تم اختيارة من قبل اليونيسيف ليكون سفيراً للأطفال وعمل مديرا لعدد من المهرجانات الفنية في سوريا. ودريد الذي احب الناس وعشق مشاكلهم كرس نفسه للعمل الطوعي وفي مجال الخدمات الإنسانية والبيئية وقدم أعمالا تهتم بالطفل العربي منها الكفرون ومسرحية العصفورة السعيدة و(آباء صغار) ولقب في عام 1997 نتيجة لاهتماماته بشؤون الطفل سفيراً للنوايا الحسنة ليونيسيف في سوريا وفي عام 2004 تخلى عن ذلك اللقب وعن جواز سفره الدبلوماسي من دون تردد لأنه كما يقول رفض المساومة على عروبته واعترض على مبدأ تزوير الحقائق فالحجر الذي يرفعه طفل فلسطيني ليس إرهاباً فهو أراد أن يكون عربياً شريفاً ومناضلاً عفيفاً ليس فقط على خشبة المسرح ولا من وراء شاشات التلفزيون بل إنه مقاوم حقيقي عندما وقف على بوابة فاطمة في جنوب لبنان ليحمل حجراً ويرميه اتجاه اسرائيل ليعبر عن ذلك بدعمه للمقاومة وأطفال الحجارة فما كان ذلك إلا سبباً لاتهامه بدعم الإرهاب وعندما خيّر بين عمله الدبلوماسي وموقفه الوطني اختار دريد لحام أن يكون ذلك العربي الوطني الذي لا يكتفي فقط بالكلام بل بالأفعال التي تؤازر المقولات.

بعد 50 عاماً من العطاء الفني الدؤوب لا يزال حلم نجمنا الوحيد هو تقديم فيلم (وطن في السماء) مع النجم عادل أمام ليجسد من خلاله حلم الوطن العربي المشترك الذي يحلم به الملايين من العرب والذي على ما يبدو سيظل حلما في السماء.

spacer
spacer
الاعلانات على مسؤولية اصحابها، ولا يتحمل موقع فرفش أي مسؤولية اتجاهها
spacer