تبدا د. داليا حديثها :"انا اقول دائما ان الطب لا يحتاج فقط الى تحصيل علمي عال ..الطب هو منهاج حياة. حياة الطبيب ليست كحياة غيره.. يمكن ان يدرس الشخص أي موضوع ويعمل فيه لكن في الطب توجد تغييرات دائمة وعلى الطبيب ان يبقى مواظبا لكل التحديثات والبحوث الجديدة ويتابع الايام الدراسية والمحاضرات.. هناك مجالات في الطب تتغير كليا مع مرور السنوات ، نوعيات العلاج والتشخيص تتغير، وبالذات في مجال طب النساء لا يكفي ان يقرأ الطبيب بل عليه ان يطبق ما يعرف وما يقرأ. مهنة الطب تحتاج الكثير من الانسانية ايضا والبساطة في التعامل لان الطبيب لا يستطيع اختيار المرضى وعليه يجب ان يجيد الطبيب التعامل مع كل مريض."
ما الذي تغير في الطب منذ ان انهيت التخصص حتى اليوم؟
د.داليا منصور- شفاكي
لقد انهيت دراسة الطب عام 78 وانهيت التخصص عام 86 منذ ذلك الوقت حتى اليوم دخلت الى الطب مجالات عديدة جدا سواء العمليات الجراحية التي تحولت الى عمليات اسرع واسهل بواسطة الناظور، العلاجات تغيرت، الفحوصات خلال الحمل تغيرت، اليوم الطب تمكن الطبيب من معرفة امراض او عاهات ممكن ان تولد مع الطفل ووصل الطب الى درجة تطور تمكن الطبيب من علاج الجنين قبل ولادته.
ماذا تعنين بان الطب منهاج حياة؟
الطبيب بحاجة الى البقاء على معرفة بكل جديد كل يوم بما فيه المشاركة في مؤتمرات ودورات محلية وعالمية. نتيجة لذلك فالطبيب يعطي الكثير من حياته الخاصة والعائلية وعليه ان يعوض ذلك على حساب امور اخرى. الطبيب الذي يرضى بالطب كمنهاج حياة له حتما لا يستطيع المشاركة في كل المناسبات العائلية والاجتماعية التي يدعى اليه وعلى المجتمع ان لا يلومه على ذلك ويتفهم طبيعة عمله.
لنعود للعام 78 حيث تعتبرين من اول اللواتي درسن الطب؟
لقد تم قبولي للدراسة الطب في العام 70-71 درست في الجامعة العبرية في القدس وكنت اول فتاة عربية في البلاد وفي الجامعة العبرية بالذات تتجه لدراسة الطب وتنهي الدراسة والتخصص هناك. اليوم تتجه الكثير من الفتيات العربيات لدراسة الطب والتخصص في مختلف المجالات وهذا الامر يسعدني جدا.
عندما كنت في الجامعة كنت اشعر بوحدة رغم اني كنت سعيدة بشريكاتي في السكن ولم يكن عربيات لكن ذلك فتح امامي باب للتعرف على ثقافات جديدة. عشت ست سنوات مع ناس مختلفون عن مجتمعي وثقافتي لكني تعلمت منهن الكثير وافادني هذا جدا.
هل يعني كونك اول طبيبة عربية انك من اولى الاكاديميات في الجش انذاك؟
الجش معروفة كبلد تضم عدد كبير من الاكاديميين ولا اعتقد اني كنت السباقة للدراسة الاكاديمية، اعتقد ان هناك من درسن قبلي وعملن في مجالات التدريس والتمريض او العمل الاجتماعي، اليوم لا يوجد بيت في الجش لا يضم ابن او بنت اكاديميين لان العلم جزء لا يتجزأ من الحياة بالنسبة لهم.
كيف تقبل الاهل اختيارك للدراسة ؟
الطبيب يعطي الكثير من حياته الخاصة والعائلية
درست في الفترة الابتدائية في الجش وبعد ذلك انتقلت للدراسة في الناصرة واهلي كانوا يشجعون الدراسة ودعموني بشكل كبير ودائما كنت اصرح باني انوي دراسة الطب، اذكر انه عندما انهيت الدراسة الثانوية وتسجلت لدراسة الطب كانت كل القرية تنتظر الرد من الجامعة ولست انا واهلي فقط وهذا الامر لن انساه ابدا.. واذكر كم كان لقبولي صدى ايجابي وانبساط كبير في القرية وقد تم قبولي كداليا ابنة سليمان منصور التي حصلت على مؤهلات دراسية تمكنها من القبول وليس بفضل أي شخص اخر او عامل اخر في الجامعة..
لماذا اخترت التخصص في مجال طب النساء؟
لكوني امراة، ولقلة وجود طبيبات مع تخصص مشابة، لسهولة تعامل المراة مع الطبيبة اكثر من الطبيب، ولكون الموضوع فيه نوع الخصوصية والحساسية.. لقد احببت الطب بمختلف تخصصاته، اخترت الطب النسائي لانه يشمل عدة مجالات طبية سواء الطب الباطني، الجراحة، الغدد والعقم وهو تخصص شامل. على طبيب النساء ان ينجح كطبيب عام اولا ويشخص كل حالة وكل مرض لدى المراة الحامل ليعالجها بالشكل الصحيح دون التسبب باي اذى للجنين.
ماذا عن الحياة الاسرية لد. داليا؟
انا متزوجة من طبيب، وام لثلاثة اولاد، انا لم اتوجه لاي من اولادي لاقناعه بدراسة الطب لكنهم يعرفون اني احب موضوع عملي جدا، اتمنى لكل منهم ان يدرس الاختصاص الذي يريد ويهمني جدا ان يكون الاولاد قد اختاروا موضوع دراسة يلائم قدراتهم ومواهبهم ويكونوا سعداء ومقتنعين باختيارهم. الابن الاكبر يدرس موضوع الطب ابني الثاني يدرس ادارة الاعمال والاقتصاد، اما بالنسبة لابني الثالث فما زال الحديث عن الدراسة الاكاديمية مبكرا لكنه يذكر احيانا انه ينوي دراسة الطب.
بين ساعات طويلة في القسم والعمل في العيادة الخاصة هل يبقى مجال للحياة الخاصة؟
عندما كان اولادي باعمار صغيرة كنت انهي عملي في المستشفى واخصص باقي ساعات اليوم لحياة الاسرية، اليوم انا احرص على العمل في عيادتي الخاصة يومين في الاسبوع فقط لاني مقتنعة بان الانسان يحتاج راحة حتى يتمكن من تجديد نشاطه ومتابعة امور اخرى مثل السفر او المشاركة في حلقات دراسية وهكذا..وانا اؤمن بان الانسان اذا اراد واذا كان منظما يستطيع عمل الكثير في 24 ساعة.
انت تنقلين من نجاح لاخر منذ القبول ثم الدراسة ثم التخصص ثم ادارة قسم في المستشفى والعمل والسمعة الطيبة..
ادارة قسم في مستشفى لامراة هو امر غير سهل ابدا
ادارة قسم في مستشفى لامراة هو امر غير سهل ابدا وانا بدات هذا العمل في ايلول سنة 87 والصعوبة لا تاتي لكوني امراة بل لان الطب والمهنة هما اسلوب ونهج حياة، والمراة تحتاج ان تخلق توازن بين العمل والاسرة وقد حالفني الحظ في شريك حياة يدعمني جدا ولذلك اكملت مسيرتي بحماس ونشاط لاني احب عملي جدا. وهناك مسؤولية وتحد كبيرين في ادارة القسم بالاضافة الى الفرح الموجود بولادة اطفال جدد وتطوير القسم ونجاح عمله.
الفرص ومجالات العمل لدى المراة العربية اقل اولا لكونها امراة وثانيا لكونها عربية، لذلك لم اسمع حتى الان عن امراة عربية غيري تدير قسم في مستشفى في البلاد. ان الامر يحتاج الى جهد كبير ايضا ليكون الطبيب متفوق بين الاوائل لان الاطباء خاصة الموجودين لدينا في القسم فهم لفيف اطباء من الدرجة الاولى اكفاء جدا ومهنيين جدا، ويجب ان يكون المدير مطلع على كل المجالات الطبية التي تقع تحت وظيفة قسم النساء والتوليد.
ادارة القسم واستمرارك يدل على ارادة، ما هي المعادلة التي جعلتك تستمرين؟
لا شيء كامل..اهم ما اقدمه لعملي هو الاخلاص ومحبتي للعمل. اعرف احتياجات القسم والمرضى وانا على اطلاع دائم على الحالات الموجودة حتى عندما لا اتواجد فعليا في مبنىالقسم. اعتبر القسم مكان جيد للتشاور بين الاطباء عند وجود حالات معينة، اضافة الى ذلك فاني اهتم بالراحة والرفاهية التي يجب ان يوفرها القسم للحوامل والوالدات بالتزامن مع التقدم والتطور الذي احرص ان يواكبه القسم من سنة لاخرى وقد نجحنا بادخال الكثير من التحديثات والكوادر والتجهيزات التي تجعل القسم لا يقل عن أي قسم نساء وتوليد في أي مستشفى كبير في البلاد. واليوم انا فخورة باني ادير هذا القسم.
ماذا تعني ادارة القسم؟
اهم ما في الادارة هو وضع منهاج عمل وعلاج لكل حالة مرضية، أي ما الذي يجب ان نفعله لكل حالة مرضية تصل القسم، ومن ثم برنامج عمل للطاقم الموجود من ممرضات، قابلات واطباء، الاشراف على عمل الطاقم في القسم، معرفة الحالات الخاصة في القسم، ادارة جلسات التشاور مع الطاقم الطبي، كذلك وضع منهاج للتعامل الانساني مع المريضات وضمان تلقيهن لكل حقوقهن طبيا وانسانيا..
افتتاح المبنى الجديد في العام الماضي لقسم النساء والتوليد، حتما كانت حصتك خاصة بالفرحة، ماذا تذكرين من حفل الافتتاح؟
افتتاح القسم الجديد كان بمثابة تحقيق حلم بالنسبة لي
طوال سنوات عملي كنت اطالب بقسم جديد، فكل مريض يحتاج رفاهية فكم بالحري الوالدة..افتتاح القسم الجديد كان بمثابة تحقيق حلم بالنسبة لي..لان التطور الطبي الموجود في القسم يكتمل بمبنى جديد يؤثر ايجابيا في نفسية الطاقم والمعالجَات في القسم.
أي الصعوبات واجهتك خلال العمل؟
العمل في مستشفى صغير والقدرة على علاج كل الحالات الطبية الموجودة خاصة وانه في السنوات الاولى في القسم كان عدد الاطباء قليل جدا وهذا احتاج ان اجتهد جدا واقضي وقت اطول في القسم لنتمكن من علاج كل الحالات الموجودة وهكذا تطورنا. واليوم هناك عدد كبير من الاطباء والاخصائيين ومن الاطباء من درس للتخصص خلال العمل في القسم وهذا يجعلني اشعر بثمار تطور هذا القسم وانسى كل الصعوبات التي واجهتنا سابقا..
ماذا كانت برايك مقومات نجاحك في عملك؟
انا تعامل مع قدراتي بشكل طبيعي، عند قبولي للتعليم عرفت ان الخطوة القادمة هي النجاح في الدراسة وهكذا بنيت نظام حياتي على الطموح لنيل ما هو افضل ..الله اعطاني موهبة وقدرة وانا طورتها، سر النجاح هو اختياري بقناعة تامة وحبي للموضوع الذي اريد دراسته والعمل فيه وكان يلائم قدراتي واستطعت من خلاله تحقيق ذاتي..
ختاما للقائنا لمن توجه د. داليا نصيحتها؟
احب ان اوجه نصيحة اجتماعية وليست طبية، انا قلقة من نهج حياتنا في المجتمع العربي حاليا ومحاولاتنا الدائمة لتقليد مجتمعات اخرى بالذات لدى الفتيات، فالحياة ليست برنامج تلفزيوني و انصح الفتيات بالعيش اولا باول بما يتلاءم مع مراحلهن العمرية المختلفة ومعرفة ما يدور حولهن وتفهمه والسعي نحو تحقيق الذات والثقافة، على الفتاة ان تنجح في جمع العلم، الهواية والسلوك الحسن لانهن امهات المستقبل والام مثال لاولادها وانا اؤمن ببيت الشعر القائل:
الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق
