هو فنان من زمن الغناء الأصيل، لديه شخصية موسيقية متميزة أشاد بألحانه كبار ملحني عصره فكان فرعا باسقا من شجرة الطرب الوارفة، إنه الملحن الكبير حلمي بكر الذي فتح صندوق ذكرياته...
اعتبرك موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب علامة مميزة في خط الغناء العربي، جمعتكما علاقة مميزة على المستوى الإنساني، فكيف أثر عبد الوهاب في تكوين شخصيتك الفنية؟
كنت أسكن في الزمالك بالقرب من شقة عبد الحليم وكان دائم السهر معي...
يتأثر الإنسان بالبيئة المحيطة به وفن عبد الوهاب كان ضمن مفردات هذه البيئة، فأنا أفخر بالانتماء لهذا الهرم الخالد، حيث بدأت علاقتي به بطردي من "البروفا" وأنا ما زلت طالبا في معهد الموسيقى وكان يسجل أغنية "بفكر في اللي ناسيني" وكان قد مضى على طلاقه من إقبال نصار أم أولاده 15 يوما فبكي وهو يغني "مظلوم لكن المقسوم مقسوم مكتوب لي أحب اللي ضناني" فأصابتني الدهشة، وتساءلت هل عبد الوهاب يبكي ويتأثر مثلنا؟، عبد الوهاب ترك بصمته الخاصة التي لن تتكرر وقد تأثرت به في أسلوبه في تحفيظ العمل والتلحين والتناول المقامي وكسر القاعدة المقامية لتصبح إبداعا جديدا. وأتذكر أن موسيقار الأجيال سمعني وأنا ألحن فقال لي انت بتشرب حاجة ولا انت مخاوي وقال إن ألحانك بها تراكيب موسيقية يصعب علي الفكر العادي بلوغها.
هناك نقد موجه لموسيقى عبد الوهاب لاقتباسه ألحانا غربية، فما تعليقك؟
من المعروف أن أمير الشعراء أحمد شوقي تبنى عبد الوهاب فنيا وكان يصحبه لحضور كونسرتات وأوبرات فضلا عن استماعه لاسطوانات أجنبية فأعجب ببعض الألحان فأخذ منها بذرة ليكون منها شجرة لكل فرع فيها كيان مختلف عن الأصل.
جمعتك صداقة حميمة بالعندليب وقدمتما معا 6 أغان خاصة، فما هي أهم ذكرياتك الفنية والإنسانية معه؟
كنت أسكن في الزمالك بالقرب من شقة عبد الحليم وكان دائم السهر معي هو ومجدي العمروسي وحسين السيد ومرسي جميل عزيز، وأطلق عبد الحليم علي شقتي الصغيرة اسم "المنور" وكان يريد التعامل معي ولكن البعض كان يخيفه من التعامل معي بدعوي أنني عصبي، وذات مرة اتصل بي الكاتب عصام بصيلة هاتفيا وقال لي عبد الحليم "عايزك" فذهبت فقال لي: "عندك استعداد تتعاون معاي" قلت نعم قال "خد الكلام ده لحنه" ورجعت بعد ربع ساعة وسمع الجملة وقال "طب عيد نظر فيها" غيرتها فقال "لا أنا حفظت اللحن الأول" فسألته لماذا؟ قال "أنا كنت باختبر مرونتك في التعامل".
قدمت 48 مسرحية غنائية ، كما قدمت فوازير رمضان لمدة 17 عاما متتالية، فكيف تقيم هذه التجربة الثرية؟
تعتبر مسرحية سيدتي الجميلة أول "ميوزيكال شو" يقدم في مصر، "والميزويكال شو" هو عرض موسيقي يقوم ببطولته ممثلون ، أما الأوبريت فهو عمل درامي يؤديه مطرب، وجاءت فكرة المسرحية عندما قرر سمير خفاجة وبهجت قمر تمصير قصة برنارد شو وعرض العمل علي الموسيقار عبد الوهاب فاعتذر ورشحني لتلحينها وطلب مني المخرج كمال ياسين تنفيذ نفس الموسيقي العالمية، ولكني رفضت وتمسكت بأن تكون الكلمات والألحان مصرية وانضم لرأيي فؤاد المهندس، والذي حاول إخراجها، ولكنه لم يكملها فوقع الاختيار على المخرج حسن عبد السلام وحظيت المسرحية بإعجاب الجميع من بينهم مخرج ألفية القاهرة الألماني، والذي لم يصدق أن يكون ملحن "سيدتي الجميلة" شابا صغيرا ولكن المسرح الآن أصبح كباريها والألحان غير موظفة في السياق الدرامي.
انتقدت أداء نقابة الموسيقيين وذلك لعدم اتخاذها مواقف ايجابية لوقف تدهور الأغنية وتدمير الذوق العام، فما هي الإجراءات التي تقترحها لتطهير الساحة الفنية من مدعي الغناء؟
هذا هو الإنذار الأخير.. فالغناء في حالة يرثى لها...
النقابة تصفق بيد واحدة فقانون المصنفات الفنية وحده لا يكفي لحماية حقوق الملحن الفكرية، لذلك يجب أن يضع نوتة العمل كاملة في جمعية الموسيقيين فضلا عن ضرورة متابعة النقابة لتسجيل الأغاني فهذا هو بداية إنقاذ الأغنية من الانحطاط، فمهرجان الموسيقي العربية تدعمه الأوبرا وحدها، فأين دور التليفزيون لماذا لا يسجل الحفلات ويأخذ حق عرضها؟ فضلا عن سيطرة جيل من المسئولين ليس لهم علاقة بالفنون، فالذي ينفذ المنوعات في التليفزيون موظف على درجة ، وفلان تدرج في السلم الوظيفي حتى وصل لمنصب رئيس الإنتاج المركزي للغناء فيبحث عن أي مؤدية تستخدم جسدها ليجني أرباحا من ورائها. في السابق كان هناك مستشار فني متخصص مثل الشجاعي وبعده نويرة يقيم الأعمال المعروضة عليه ويأخذ القرار الذي تنفذه باقي الإدارات.
ذكرت أن 90 % من مطربات الفيديو كليب الجدد بائعات لحم يلجأن لعوامل التعرية لعدم إجادتهن الغناء، ولكن هذه النوعية تلقي اعجاب الجمهور، فهل إلحاح هذه النوعية كان السبب في انتشارها؟ وما أسباب تدهور الذائقة الفنية لدي المصريين؟
التدهور سببه الجمهور نفسه ففي الماضي كانت هناك لجنة مكونة من الجمهور تصفق لعبد الوهاب في أغنية أو ترفض غناء أم كلثوم للأغاني الخفيفة، ولكننا تركنا الساحة لمن لا يملكون موهبة، فالشباب يصفق لهؤلاء نتيجة إحباطه وليس لأنهم يستحقون الإعجاب بالفعل.
ما أثر انتشار الفضائيات العربية وخاصة قنوات الأغاني في مستقبل الأغنية ؟
تأثير الفضائيات كان سلبيا، في البداية كان هناك 10 فضائيات ثم قامت 2 أو 3 منها في تقديم العري والرخص، والنتيجة أنها تبارت في السقوط، فهناك ثلاثة أنواع من الفيديو كليب: الأول يقوم علي الإيحاءات النوعية ، والثاني "الفانتازيا" ويعتمد علي الإبهار والتطور التكنولوجي ، والثالث هو الأغنية الفيلمية التي ترتكز علي موضوع درامي، والتي اتجهنا لها أخيرا فأخذنا بعض اللقطات من الأفلام وركبنا عليها أغاني.
ارتبطت ثورة يوليو في الأذهان بأغنيات وطنية شكلت الوجدان العربي وشدي بها كبار المطربين، فأين الأغنية الوطنية الآن؟
الأغنية الوطنية أغنية رمزية تظل في الذاكرة، فما هي القضية المطروحة الآن وتحتاج لأغنية وطنية، فالثورة كانت تروج لإنجازاتها كبناء السد العالي بأصوات عبد الوهاب وعبد الحليم وغيرهما، إلي أن حدثت النكسة 1967 فسقط القناع وكشفت الأغنية الترويجية عن وجهها بعد أن بدلت الهزيمة بانتصار مزعوم حينها قال عبد الحليم "أنا مش حغني إلا لمصر" حيث أدرك خطأه بعد الهزيمة.
كيف ترى مستقبل الغناء في مصر؟
الغناء اليوم أصبح سوق خضار، مطربك المشهور بعرور والثاني حرفي والثالث سوابق وخريج سجون، فإذا لم تتحرك فلن يكون لدينا مستقبل غنائي، فهذا هو الإنذار الأخير فالغناء في حالة يرثى لها، فقدنا القوالب الغنائية التي تميز هويتنا المصرية، فأصبحت خليطا مشوها ما بين التركي واليوناني والأوروبي والأمريكي فنحن نعيش فن الكباريه الذي عاشته أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية واستطاعت تجاوزها ، أما نحن فتوقفنا عندها. وأوجه رسالة لرئيسة الإذاعة إيناس جوهر لإنقاذ الأغنية وإذاعة ما تنتجه من أغان، وكذلك أوجه رجاء لرئيسة التليفزيون سوزان حسن لتبني إدارة المنوعات لديها للأغاني المنتجة وتقوم بتصويرها ويجب أن تتضافر جهود قطاعي الإذاعة والتليفزيون لحماية الطرب الأصيل من حثالة المطربين كما يجب وقف إهدار الأموال بغير طائل.
